كتب : ربيع زهران
لم يكترث ركاب محطة القطار في محافظة دمياط المصرية، لذلك الطفل الصغير ذي العشر سنوات، الذي ظل يلهو ويجري بينهم على رصيف القطار، مشحونًا بالطاقة وروح المغامرة كأغلب الأطفال في عمره، ولكن وسط الزحام وتدافع الركاب، سقط “إبراهيم” بين عجلات القطار ورصيف المحطة لينتهي المشهد.
استفاق إبراهيم، وآخر ما يذكره محطة القطار.. “وجدت نفسي في المستشفى، أمي تبكي بجانبي، وأبي يحاول أن يتمالك نفسه، كما انتبهت إلى أنني أصبحت بلا ذراعين”، هكذا وصف المشهد التالي.
قضى الحادث الأليم على طفولة إبراهيم، أو هكذا كان يظن، لمدة 3 سنوات ظل بمنزل أبيه في دمياط رافضًا لكل شيء، يعيش فقط وسط أحزانه وقليل من الطعام والشراب.
يقول البطل إبراهيم حمدتو في أحد الأحاديث التلفزيونية، واصفًا شعوره بعد الحادث: “في البداية، كان الألم فظيعًا، كنت أشعر بألم جسدي، بالإضافة إلى الألم المعنوي”.
خال إبراهيم، كان نقطة التحول الأولى في حياته، فهو الشخص الوحيد الذي استطاع مخاطبة عقل الطفل الصغير الذي فقد ذراعيه، ولا يدرك معنى الحياة أو المستقبل.
يوضح إبراهيم: “خالي استطاع أن يخرجني من حالة الألم، حينما أحضر لي رجلًا مثلي فقد ذراعيه منذ الصغر ويعيش حياة طبيعية، تزوج وأنجب ويعمل، وقال لي إنه لا يشعر بأن هناك شيئًا ينقصه،
وأكد أنه لا يوجد ما يسمى بالمستحيل.. كانت هذه هي البداية، ومنذ ذلك الوقت كنت كلما أشعر باليأس أتذكر هذا الرجل وأكمل طريقي”.
ويضيف: “بدأت أيضًا أن أتابع بعض القصص الملهمة الأخرى، فتابعت أسطورة الأدب العربي طه حسين وكيف تغلب على إصابته بالعمى”.
الطريق نحو قهر المستحيل:
كان إبراهيم عاشقًا للرياضة، منذ صغره، فكان يذهب مع عمه إلى مركز الشباب في قريته بدمياط، ويتابع مباريات كرة القدم وتنس الطاولة طوال اليوم، ويعود إلى منزله في آخر الليل.
وبدأ شغف إبراهيم يلح عليه بعدم الاكتفاء بمشاهدة المنافسات الرياضية في مركز شباب القرية، وأن يبدأ في ممارسة الرياضة بنفسه رغم إصابته، وقرر بالفعل إبراهيم أن يخوض التجربة ويتحدى إعاقته، وبدأ بكرة القدم، إلا أن الأمور لم تسر بالشكل الذي خطط له حيث كان من الصعب أن يلعب كرة القدم دون استخدام ذراعيه.
اكتفى بعدها إبراهيم بمتابعة أصدقائه وهم يلعبون تنس الطاولة، وبعد ذلك شارك في التحكيم بينهم في المواجهات، إلى أن وجه له صديق إهانة في إحدى المباريات حينما احتسب إبراهيم خطأ عليه، فرفض صديقه قائلًا: “أنت لا تفهم.. تتكلم وكأنك تمارس اللعبة”.
يقول إبراهيم: “شعرت بإهانة كبيرة في ذلك اليوم، وقررت أن أبدأ بالفعل في ممارسة تنس الطاولة بأي وسيلة، ووصل تفكيري إلى أن أمسك بمضرب التنس بفمي وأضعه بين أسناني”.
كانت المشكلة القادمة في طريق إبراهيم حمدتو، بعد الإمساك بالمضرب، هي كيفية الإمساك بكرة الطاولة ولعب الإرسال، ولكنه لم يقف كثيرًا عند تلك المشكلة، فقد قرر حمدتو استخدام قدمه في رفع الكرة إلى المضرب الموجود بين أسنانه وتوجيه الإرسال.
ويؤكد إبراهيم: “احتجت إلى 3 سنوات حتى أتمكن تمامًا من إتقان لعبة تنس الطاولة بهذه الطريقة، وخلال تلك الفترة قررت أن أواجه صديقي الذي وجه لي الإهانة، وهزمته”.
إبراهيم حمدتو.. أسطورة تنس الطاولة:
خطف إبراهيم حمدتو الأضواء في دورة الألعاب البارالمبية المقامة حاليًا في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية وتستمر حتى يوم 18 سبتمبر/ أيلول، ورغم خسارته في المباراة الأولى أمام المصنف الرابع عالميًا البريطاني ديفيد ويثيريل، ثم خسارته أمام الألماني توماس راو، إلا أن وكالات الأنباء سلطت الضوء على لاعب تنس الطاولة المصري الذي يمسك بالمضرب بين أسنانه.
ويعتبر حمدتو (43 عامًا)، أول لاعب تنس طاولة في التاريخ يشارك في اللعبة دون استخدام يديه.
وحقق حمدتو في مشواره الدولي 6 ميداليات في تنس الطاولة كان آخرها فضية دورة الألعاب الإفريقية البارالمبية، والتي أهلته للمشاركة في الألعاب البارالمبية في ريو 2016، حسب الموقع الرسمي للاتحاد المصري لتنس الطاولة.
وقال حمدتو، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، إنه سعيد بالمشاركة في بارالمبياد ريو دي جانيرو، على الرغم من الهزيمتين.
وأضاف: “أنا سعيد لتمكني من المجيء إلى هنا من مصر للمشاركة في الألعاب البارلمبية واللعب ضد الأبطال”.
وتابع حمدتو: “لا يمكنني أن أصف ما يشعر به قلبي.. أنا سعيد للغاية”.